انا والعذاب وهواك........

كان الظلام يؤنس وحدتي تلك الليلة... افترشت الأرضية الباردة كعهدي كل مساء وألصقت ظهري بالجدار العاري... كان باردا بلا مشاعر.. أغمضت جفني في استسلام ممنيا نفسي بسويعات قليلة من النوم قبل أن أبدأ تلك الرحلة من جديد...أحسست بوخز في عظامي.. تحسست الأرضية أسفل ظهري بكفي المتورمة علني أجد تلك المسامير الملعونة التي اخترقت فقراتي... وللحق كانت كفاي عاجزتان عن الاحساس تماما فلم تسعفني لأجد أي مسمار... لعله البرد... ذلك البرد الكئيب الذي أصر على أن لا يفارقني... أصيل واظب على مرافقتي وتسليتي كل ليلة ولم يتخلف أبدا على عكس الكثير ممن عرفتهم... ولكني أشعر على غير العادة أنه أحضر معه "ضيوفا" هذه الليلة فقد كان نشيطا مرحا يتقلب بين ضلوعي يمنة ويسارا ثم يقفز فوق رأسي كالمطرقة ويتزلج على فقراتي المتعبة حتى يستقر في أطرافي...
قررت أن أسايره قليلا فهو رفيقي في هذه الزنزانة فتقلبت معه على فراشي الصلب كرغيف بلدي بوجهين وضع خطأ في الثلاجة بدلا من الفرن... ولم تفلح محاولاتي الفاشلة في اقناع نفسي بالنوم... جلست متربعا وعقدت يدي تحت ابطي ورسمت على وجهي ملامح الغضبان الذي يكاد أن يصاب بنوبة!

زفرت زفرة طويلة وانا أتأمل جدران زنزانتي الصغيرة... واصلت الارتفاع ببصري حتى وصلتها... تلك البائسة الصغيرة... كم مضى على وجودي هنا... لا أذكر... لكني أذكرها تماما تلك الدميمة الداهية... تقبع في مكانها كل ليلة ولا تخفي ابتسامتها الساذجة وهي تراقب حركاتي وسكناتي وتأوهاتي الفاشلة... وكلما استرحمتها واستعطفتها زادت دلالا وتمنعا...

لم يكن لدي أدنى فكرة عن سبب وجودها بهذا الشكل ومن هو ذلك المعتوه الذي تسبب في هذه الكارثة المعمارية داخل جدران هذا السجن "المحترم"... نعم كانت زنزانتي صغيرة متواضعة لكنها كانت دوما مرتبة و "نظيفة"... ولم أكن لأعترض على شيء سوى تلك النافذة الحمقاء في أعلا الجدار... كانت مزعجة فوق ما يحتمل شخص مثلي... وهذه الليلة قررت أن أضع لها حدا... من تفكر نفسها... لم تكتفِ بإدخال الهواء البارد الى زنزانتي بل وتمادت حماقاتها لتصل الى حد السماح للقمر بالتجسس على خصوصيتي وحريتي... جالسا هنالك في الأعلى حر سعيد يرسم على ثغره ابتسامة سخرية وهو ينظر الى هذا البائس القابع كالمذنب بجانب الحائط وقد حرم النوم بسبب الضوء المزعج الذي يسلط عليه من القمر!

والآن قررت الانتقام والثأر لنفسي... تحاملت على نفسي وزحفت حتى وصلت الى كوبي الفخاري الصغير الذي كان دائما معي يروي عطشي... وبكل أسى ضربته ضربة في الأرض فانكسر الى نصفين وكسر معه قلبي... ثم تناولت خرقتي البالية التي كانت فراشي وغطائي ولم تمل مني صيفا ولا شتاء... زحفت قليلا حتى وصلت أسفل النافذة وبدأت تنفيذ الخطة... كانت تطالعني بفضول وترقب... تلك الشقية لا تعي ما انا فاعل بها... وبدأت أحفر لنفسي موضعا لقدمي على الحائط مستخدما بقايا كوبي الفخاري وشيئا فشيئا صنعت سلما... نعم أنجزته والآن أستطيع أن أصل اليها... ووصلت.

كانت نافذة صغيرة شقت في الحائط... تأملتها باستغراب فقد كانت تماما مقاسي... كانت مساحتها الصغيرة تكفي لمرور جسمي النحيل من خلالها... غريب... الم يلحظ أحد هذه المفارقة... عليهم الانتباه أكثر فقد يهرب أحدهم!

وبابتسامة خبيثة تناولت ماتبقى من كوبي الفخاري وحفرت حولها قليلا ثم ثبت طرفي خرقتي البالية حولها جيدا حتى أغلقتها تماما... نعم فعلتها... أخيرا أحسست بطعم الانتصار... وتركتها بين دموعها حزينة تبكي هزيمتها...

عدت أدراجي الى الأرض... آه... أخيرا سأنام بعمق لا هواء بارد لا ضوء مزعج.... افترشت الأرضية وكورت جسمي جيدا وأغمضت جفني... الآن فقط أستطيع النوم بهدوء لساعة أخرى قبل أن تبدأ "الرحلة" من جديد.

ماشاء الله كلام روعه وقصة طريفه لأمل محدود

ربنا يوفقك

ويوفقك يارب. مشكور اخى على مرورك

ما أقسى الحزن!وماأعظم قسوة الإنسان لأخيه الإنسان

ما أفظع أن يكون الحزن مثل الهواء فى كل مكان وفى كل شىء

ولا يبتعد عنك ولا تبعد عنه

يا بحر الأحزان دعنى أغرق فأستريح منك

هل تعلمون أن بحر الأحزان من يغرق فيه لا يموت

لأنه ميت ومن يعبر الحزن للشاطىء الأخر

يجد السعادة تناديه

فالسعادة بعد الشقاء يالها من سعادة

وإنها لأقدار تسعد السعيد وتشقى الشقى

فيارب لا تحملنا مالا طاقة لنا به

انا والعذاب وهواك........

انا والعذاب وهواك........

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة